نابلس - تقرير خاص :
و اكتملت حكاية الألم و تواصلت المعاناة معلَماً يومياً يحياه الفلسطينيون منذ أطلّت غربان الليل رؤوسها من أوكار الخراب . عائلة الخطيب نموذج لبؤس الحياة الفلسطينية التي أرهقها الاحتلال و دمّر حياتها .. فهي عائلة مكوّنة من سبعة عشر فرداً يمضي ربّ الأسرة فتحي رجا الخطيب حكماً بالسجن 29 مؤبداً حيث اعتقل منذ قرابة العام و نصف العام و اتهم بانتمائه لحركة المقاومة الإسلامية حماس و عضويته في إحدى خلايا كتائب الشهيد عز الدين القسام جناحه الضارب و المسؤولة عن تنفيذ عملية البارك الشهيرة في نتانيا أواخر آذار من العام 2001 .
غادر الخطيب الأب بيته فيما كانت الأيام تخفي لعائلته المزيد من الآلام ، حيث تقول أم مصعب زوجته الأولى و أم عشرة من أبنائه و التي تعيش مع أبنائها الثمانية بعد اعتقال ولديها مصعب و عبد الرحمن : "لم نكن نعلم أين تخفي لنا الأقدار هذا الكم من البلاء و العذاب" .
ما ترى فيه أم مصعب بلاءاً و عذاباً يتمثّل بتدمير قوات الاحتلال للبيت الذي كان يؤويها و عائلتها الكبيرة ، عشرة أبناء و أمّهم و جدّتهم لوالدهم القابع خلف القضبان أصبحوا دون مأوى و لا معيل ، حيث تضيف أم مصعب : "لقد اعتدنا الحياة القاسية و نعلم أنها من صنع الاحتلال لكن تلاحق المصائب يجعلنا نزداد شعوراً بالمرارة و بعمق الجراح ، فبعد اعتقال أبي مصعب تم اعتقال عبد الرحمن و اليوم يصدر حكم بسجنه لـ (9 أعوام)" .
قوات الاحتلال اعتقلت عبد الرحمن أناء خروجه لجمع نبات الزعتر كما يقول صهيب البدوي محامي جمعية أنصار السجين في طولكرم ، حين اعترضته دورية للاحتلال و منعته من ذلك بحجة اقترابه من أحد المواقع التي يقام بها جدار الفصل ، و حين اشتد الجدل بينه و رفيقه و بين جنود الدورية دار عراكٌ بالأيدي ، عاد عبد الرحمن للبيت بعد بلاء حسن و بعد أن رفض الخضوع رغم ما لحقه من الأذى غير أن قوات الاحتلال حضرت في نفس الليلة لمنزله الجديد الذي استأجرته العائلة بعد هدم منزلها الأول و قامت باعتقاله و وجّهت له تهمة محاولة طعن أحد الجنود علماً أنه لم يكن يحمل سلاحاً إلا "موساً" غير حادٍّ يستخدمه الفلاحون لجمع نبات الزعتر .
لم تكتمل مأساة أم مصعب بعد .. حيث يقول البدوي : "ما كادت أشهر معدودة على اعتقال عبد الرحمن تمرّ حتى عادت قوات الاحتلال للبيت من جديد ، الهدف من الزيارة الأخيرة اعتقال بكر الأبناء "مصعب" الطالب في جامعة بير زيت ليكتمل مثلث الألم الاعتقالي بعد اكتمال مثلث المأساة بغياب ربّ الأسرة و هدم بيته و الحكم عليه بالمؤبدات الـ 29 .
و يضيف البدوي : "ما يجعل من معاناة عائلة الخطيب أكثر مرارة من العلقم أنه لا أحد يستطيع النيابة عن أبي مصعب بتحمّل أعباء الحياة للعائلة" ، التي وصفها بالمنكوبة .. مضيفاً : "إنهم يعيشون الآن في بيت بالإيجار و جميع الأبناء صغار السن و لا يقوون على تحمّل مسؤوليات البيت و كلّهم طلاب مدارس و جامعات و لست أدري كيف سيواصلون حياتهم بعد كلّ ما أصابهم" .
لهجة الألم في حديث أم مصعب لا تتنافى مع قدرتها على الصمود و تحملها للعذاب و هي تقول : "مع كلّ ما فعلوه بنا فإننا هنا باقون و لو هدموا البيت و اقتلعوا الأبناء و زجّوا بهم خلف القضبان فلن يحرمونا الأمل بغدٍ أفضل بعد زوال الاحتلال" .
و يتّفق البدوي في نظرته مع أم مصعب على اعتبار الاحتلال و إجراءاته سبباً للكثير من مآسي العائلات الفلسطينية حيث يقول : "من خلال عملنا في مؤسسة مهتمة و مطلعة على ظروف الحياة الإنسانية لعائلات الأسرى نلمس أن الاحتلال قد تسبّب بتدمير حياة الكثير من تلك العائلات و هو الأمر الذي تفهمه العائلات جيداً" .
زوجة أبي مصعب الثانية – أم البراء - لديها كذلك عائلة أخرى أصبحت بلا معيل بعد اعتقال أبي مصعب ، ثلاثة أبناء و بنت واحدة يقيمون في بيت مستأجر بعد هدم بيتهم الأصلي كذلك ، كلّهم دون الثامنة عشرة من العمر غير أن مشكلة أخرى تعانيها أم البراء هي كونها طالبة في جامعة القدس المفتوحة أصبحت الآن تفتقد ربّ الأسرة الذي كان يحمِل جزءاً كبيراً من الأعباء و يتولى تدريسها قبل أن تعتقله قوات الاحتلال .
|